إذا نظرنا إلى عام 2023 فقد تبين أنه كان عامًا رائعًا للأسهم، فقد تجاوزت مكاسب مؤشر ستاندرد آند بورز 500 نحو 26% وحقق مؤشر ناسداك لأسهم التكنولوجيا ارتفاع بنحو 44% ليسجل خامس أفضل أداء سنوي له في تاريخه، تأتي تلك المكاسب مدعومة بمزيج من الاقتصاد القوي وأرباح الشركات الأفضل من المتوقع والنهاية الواضحة لرفع أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث تزايدت التوقعات بتخفيضات متعددة في أسعار الفائدة في عام 2024، إلى جانب الطفرة الناشئة في تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ما العوامل التي ساهمت في مكاسب السوق في العام الماضي؟
على الرغم من المخاوف الأولية من اضطراب السوق في بداية العام الماضي، فاجأ مؤشر ستاندرد آند بورز 500 مؤشر ناسداك الجميع بمكاسب ملحوظة في نهاية عام 2023.
أدت عدة أشياء مهمة إلى تحول جيد في سوق تداول الأسهم في عام 2023، فمع انخفاض التضخم بوتيرة جيدة أبطأ البنك الاحتياطي الفيدرالي المعدل الذي رفع به أسعار الفائدة، وهذا جعل المستثمرين يشعرون بالتحسن ورفع من قيمة الأسهم.
على الرغم من أن ارتفاع أسعار الفائدة كان صعبا على الاقتصاد الأمريكي، إلا أنه أظهر الكثير من القوة من خلال تجنب الركود وبناء قاعدة قوية لنمو أرباح الأعمال، وكانت هذه الصرامة واضحة بشكل خاص في صناعات مثل التكنولوجيا والطاقة حيث تجاوزت العديد من الشركات تقديرات الأرباح، الأمر الذي جعل المستثمرين أكثر ثقة.
ومع مرور عام 2023، أصبح الناس أكثر تفاؤلا بأن اتجاه رفع أسعار الفائدة قد يقترب من نهايته وأن أسعار الفائدة ستنخفض في المستقبل، وأدى ذلك إلى ارتفاع كبير في السوق في أواخر العام، أظهرت الأمور التي حدثت في عام 2023 مدى تعقيد الظروف الاقتصادية وكيف يمكن للأحداث غير المتوقعة أن يكون لها آثار جيدة على سوق الأسهم، على الرغم من المخاوف والتوقعات الأولية والقلق بشأن التضخم وتوقعات الركود بحلول النصف الثاني من العام.
وبدلاً من ذلك، تباطأ معدل التضخم وظل الاقتصاد قوياً على الرغم من الأزمة المصرفية الإقليمية في الربع الأول من العام، والتي أثارت مخاوف من حدوث أزمة ائتمانية، وبينما رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة أربع مرات خلال العام، أشار المسؤولون في اجتماعهم في ديسمبر إلى أنه من غير المتوقع حدوث زيادات إضافية ومن المرجح أن يخفضوا أسعار الفائدة في 2024.
ومع دخولنا عام 2024 تركز المناقشات على ما إذا كان الاقتصاد سيستمر في تجنب الركود، وما إذا كان التضخم سيظل على مساره المعتدل، وما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة بقوة كما يتوقع المستثمرون حاليًا.
فيما يلي أهم الأمور التي ينبغي أن تكون في مقدمة اهتمامات المستثمرين هذا العام:
1 .أسعار الفائدة
من نواحٍ عديدة، كانت قصة الأسواق هذا العام تدور حول الاقتصاد الكلي التي تمثلت في أسعار الفائدة والتضخم وسياسات البنك الاحتياطي الفيدرالي.
رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة أربع مرات على مدار العام الماضي تتويجًا لحملة قوية بدأها في عام 2022 لخفض التضخم العنيد ومنع الاقتصاد من الانهاك، بشكل عام تؤثر أسعار الفائدة المرتفعة على أسعار الأسهم والسندات والأصول المالية الأخرى، أمضى مراقبو السوق هذا العام في مراقبة البنك المركزي عن كثب بحثًا عن أدلة حول الاتجاه المحتمل لسياسته النقدية.
وقد أمضى البنك الاحتياطي الفيدرالي معظم منتصف العام الماضي في الإشارة إلى أن أسعار الفائدة ستبقى “مرتفعة لفترة أطول” مع بقاء التضخم ثابتًا، مما أدى إلى انخفاض الأسهم وارتفاع عائدات السندات القياسية إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2007.
وبعد بضعة أشهر من البيانات الاقتصادية المشجعة، يتوقع معظم المحللين تخفيضات في هذا العام، على الرغم من عدم وجود اتفاق يذكر حول موعد حدوثها بالضبط، في الوقت الحالي، تقوم أسواق السندات بتسعير ستة تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة في 2024، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض قدره 1.5 نقطة مئوية في سعر الفائدة المستهدف على الأموال الفيدرالية، وفي أحدث توقعاتهم الاقتصادية، توقع مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي تخفيضات بنسبة 0.75 نقطة مئوية تقريبًا.
وسواء كان ذلك سيحدث بالفعل، إلا إنه يعتمد إلى حد كبير على ما إذا كان التضخم سيستمر في التباطؤ، فهناك الكثير من عدم اليقين حول ذلك.
2 .العمالقة السبعة
في عام 2023 استمر المستثمرون في الانجذاب إلى أكبر الأسهم في السوق، وهي شركات التكنولوجيا الضخمة المعروفة باسم “العظماء السبعة” وهم: نيفادا وتسلا وآبل وأمازون وميكروسوفت وميتا وألفابيت، فبعد الصعود المطرد في النصف الأول من العام، تعثرت المجموعة في أغسطس مع ارتفاع عوائد السندات، ثم تعافت مع ارتفاع السوق في نوفمبر.
في العام الماضي كان هناك الكثير من الأشياء التي أثارت اعجاب المستثمرين في العمالقة السبعة، والتي تمثلت في الأرباح القوية ومخاطر أسعار الفائدة الإيجابية، والتي يجدها المستثمرون جذابة عندما تكون التوقعات الاقتصادية غامضة.
لقد كان لأسهم شركات Magnificent Seven تأثير كبير على عوائد السوق بأكملها في 2023، ويحذر بعض الاستراتيجيين من أن السوق الضيقة لن تكون مستدامة إلى الأبد، ويقولون إن مجالات مثل الأسهم الصغيرة والأسواق الدولية يمكن أن تلحق بالركب في نهاية المطاف.
3 .الذكاء الاصطناعي
مما لا شك فيه أن أكبر كلمة طنانة في السوق لعام 2023 كانت الذكاء الاصطناعي، فبعد أن حقق ChatGPT نجاحًا كبيرًا قبل عام وحقق مصمم الرقائق Nvidia واحدة من أكبر مفاجآت الأرباح في الذاكرة الحديثة، سارع المستثمرون للمشاركة في الحدث.
ارتفع سهم شركة نيفادا بنحو 230% على مدار عام 2023، في حين ارتفعت أسهم شركة ميكروسوفت (الداعم البارز لمنشئ ChatGPT OpenAI) بنسبة 53%، وارتفع مؤشر Morningstar Global Next Generation للذكاء الاصطناعي (الذي يتتبع 49 شركة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي) بنسبة 75% على أساس سنوي.
يتفق الاستراتيجيون على أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في بداية عهده ويتساءل الجميع عن الإنجاز الكبير التالي، فحتى الآن الذكاء الاصطناعي يقتصر على Nvidia وMicrosoft وOpenAi، لهذا من المرجح أن يكون المشهد أكثر تنوعًا مع دخول شركات أخرى في هذا المجال.
4 .آمال الهبوط الناعم
شهدت الأسواق المالية عودة كبيرة في نهاية العام الماضي، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى الثقة المتجددة في قدرة البنك الاحتياطي الفيدرالي على هندسة الهبوط الناعم.
وكما قلنا مسبقًا، جاءت المكاسب الكبيرة لأسواق الأسهم مع تزايد ثقة المستثمرين بشأن تخفيضات أسعار الفائدة، لكن الاستراتيجيين يقولون إن المخاطر لا تزال قائمة، ويشير البعض إلى أن بعض الآثار المتأخرة لتشديد البنك الاحتياطي الفيدرالي ربما لم تتحقق بعد، علاوة على ذلك، من المتوقع أن يتباطأ النمو هذا العام، ناهيك عن احتمالية حدوث موجة ثانية من التضخم، وهو خطر سلبي بالنسبة لأسعار السندات والأسهم.
إن المعضلة التي يواجهها المستثمرون هي ما إذا كنا سنشهد “خفضاً معتدلاً” حيث ينخفض التضخم ولكن يظل النمو قوياً أو خفضاً ركودياً، مدفوعاً بأن السياسة أصبحت مقيدة للغاية، سيكون للإجابة على هذا السؤال آثار كبيرة على استراتيجيات المستثمرين في عام 2024.